،،،،،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
كثير من الناس لا يفرقون بين العين والحسد ، ويهتمون فقط بالآثار التي
يخلفها هذان الداءان العظيمان ، ومع أن تحديد تلك الفروقات ليس بذات أهمية
بالنسبة للعامة وغير المتخصصين في هذا المجال ، إلا أن تحديد تلك الفروقات
له أهميته بالنسبة للمعالجين أنفسهم لمتابعة العلاج وتحديد طريقته وكيفيته ،
ومن أهم تلك الفروقات :
1- الاشتراك في الأثر والاختلاف في الوسيلة والمنطلق :
قال الشيخ عطيه محمد سالم تلميذ
الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي - رحمه الله - في تكملة أضواء البيان :
( ويشتركان - الحسد والعين - في الأثر ، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق ،
فالحاسد : قد يحسد ما لم يره ، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ، ومصدره
تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود ، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها
له وهو غاية في حطة النفس 0 والعائن : لا يعين إلا ما يراه والموجود
بالفعل ، ومصدره انقداح نظرة العين ، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه
كولده وماله ) ( تكملة أضواء البيان – 9 / 644 ) 0
2- الحسد قد يقع في الأمر قبل حصوله :
قال الشيخ عطيه محمد سالم تلميذ
الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي - رحمه الله - في تكملة أضواء البيان :
( فالحاسد قد يحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ، والعائن لا يعين إلا ما
يراه والموجود بالفعل ) ( تكملة أضواء البيان – 9 / 644 ) 0
3)- الحاسد أعم وأشمل من العائن :
قال ابن القيم : ( فالعائن حاسد خاص
، ولهذا - والله أعلم - إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن لأنه
أعم فكل عائن حاسد ولا بد ، وليس كل حاسد عائنا ، فإذا استعاذ من شر الحسد
دخل فيه العين ، وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته ) ( بدائع الفوائد - 2
/ 233 ) 0
4)- الحسد أصله تمني زوال النعمة :
قال ابن القيم : ( أصل الحسد هو بغض
نعمة الله على المحسود وتمني زوالها ، فالحاسد عدو النعم وهذا الشر هو من
نفسه وطبعها ، ليس هو شيئا اكتسبه من غيرها بل هو من خبثها وشرها ) ( بدائع
الفوائد - 2 / 233 ) 0
قال الشيخ عطيه محمد سالم تلميذ
الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي - رحمه الله - في تكملة أضواء البيان :
( ومصدر الحسد تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود ، وبتمني زوالها
عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس 0 والعائن مصدره انقداح نظرة
العين ) ( تكملة أضواء البيان – 9 / 644 ) 0
والمعين يحتمل أن يصيب المعين
ويتمنى زوال النعمة عليه ، وقد لا يكون ذلك ، وحالما يقع نظره على أمر
بإعجاب واستحسان قد يصيبه بالعين ، دون قصد زوال تمني النعمة عليه 0
5)- الحسد لا يقع في الأهل والمال بعكس العين التي قد تصيب الأهل والمال :
قال الشيخ عطيه محمد سالم تلميذ
الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي - رحمه الله - في تكملة أضواء البيان :
( وقد يعين العائن ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله ) ( أضواء البيان
– 9 / 644 ) 0
6)- يحصل الحسد عند غيبة المحسود ، وأما العين فتتكيف نفس العائن وتتوجه لمقابلة المعين :
قال ابن القيم : ( والعاين
والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء ، فيشتركان في أن كل واحد منهما
تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه ؛ فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة
المعين ومعاينته ، والحاسد يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضا ) (
بدائع الفوائد – بتصرف - 2 / 233 ) 0
7)- الحسد يقل في تأثيره عن العين :
قال ابن القيم : ( ويقوى تأثير
النفس عند المقابلة فإن العدو إذا غاب عن عدوه قد يشغل نفسه عنه ، فإذا
عاينه قبلا اجتمعت الهمة عليه وتوجهت النفس بكليتها إليه ؛ فيتأثر بنظره
حتى أن من الناس من يسقط ومنهم من يحم ومنهم من يحمل إلى بيته ، وقد شاهد
الناس من ذلك كثيرا ) ( بدائع الفوائد - 2 / 233 ) 0
- الحسد يأتي مع الكراهية والحقد :
قال ابن القيم : ( والنظر الذي
يؤثر في المنظور قد يكون سببه شدة العداوة والحسد ؛ فيؤثر نظره فيه كما
تؤثر نفسه بالحسد000 وقد يكون سببه الإعجاب وهو الذي يسمونه بإصابة العين ؛
وهو أن النظر يرى الشيء رؤية إعجاب به أو استعظام ، فتتكيف روحه بكيفية
خاصة تؤثر في المعين ، وهذا هو الذي يعرفه الناس من رؤية المعين فإنهم
يستحسنون الشيء ويعجبون منه فيصاب بذلك ) ( بدائع الفوائد - 2 / 233 ) 0
9)- الحسد يصحبه في كثير من الأحيان فعل للتعبير عما يكنه الحاسد من حقد وكراهية في نفسه :
فلا يقتصر ضرره بما أحدثه للمحسود
من ضرر في بدنه وماله بتأثير حسده له ، بل يتعدى ذلك لإتباع كافة السبل
والوسائل للنيل من ذلك المسكين ، كغيبته والوشاية به ، وإيذائه في نفسه
وماله 0
قلت : وقد لوحظ على بعض الحالات المرضية التي عاينتها التأثر بآيات الحسد
والسحر ، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على تأثر المريض بحسد الحاسد ،
وقيام ذلك الحاسد بفعل السحر لهذا المسكين ، نتيجة لما يحمله في قلبه من
حقد دفين 0
10)- العين علاجها أيسر من الحسد :-
وذلك لسهولة معرفة العائن في كثير من
الحالات ، والحصول على الأثر والاغتسال به أو التصرف به على نحو مشروع ،
كما سوف يتضح الأمر في الحديث عن ( علاج العين ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن الفرق بين العين والحسد فأجاب - حفظه الله - :
( العين : هي النظرة إلى الشيء على وجه الإعجاب والإضرار به ، وإنما
تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة ، وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر
سمها إذا عضت واحتدت ، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث ، فتحدث فيها تلك
الكيفية السم ، فتؤثر في الملسوع ، وربما قويت تلك الكيفية واتقدت في نوع
منها ، حتى تؤثر بمجرد نظرة ، فتطمس البصر ، وتسقط الحبل ، فإذا كان هذا في
الحيات ، فما الضن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة ، إذا تكيفت
بكيفيتها الغضبية ، وتوجهت إلى المحسود ، فكم من قتيل ! وكم من معافى عاد
مضني البدن على فراشه ! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض
الطبائع ، فإن هذا المرض من علم الأرواح ، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم
الأرواح ، بل هو أعظم وأوسع وعجائبه أبهر ، وآياته أعجب ، فإن هذا الهيكل
الإنساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة ، أو القطعة من اللحم ، فالعين هي
هذه الروح التي من أمر الله تعالى ، ولا يدرك كيفية اتصالها بالمعين ،
وتأثيرها فيه إلا رب العالمين 0
وأما الحسد : فهو خلق ذميم ، ومعناه تمني زوال النعمة عن المحسود ، والسعي
في إضراره حسب الإمكان ، وهو الخلق الذي ذم الله به اليهود بقوله تعالى : (
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ ) ( سورة البقرة –
الآية 109 ) أي أنهم يسعون في التشكيك وإيقاع الريب وإلقاء الشبهات ، حتى
يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن الإسلام ، ولا شك أن الحسد داء
دفين في النفس ، وتأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود ، حيث أن
الحاسد دائماً معذب القلب ، كلما رأى المحسود وما فيه من النعمة والرفاهية
تألم لها ، فلذلك يقال :
اصبر على كيد الحسود فــإن صبـــرك قاتلـــه
النـار تأكـــــل نفسهــــا إن لم تجد مـا تأكلـــه
وقال بعض السلف : الحسد داء منصف ، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في
المحسود ) ( الحسد – تعريفه ، إثباته ، أسبابه ، علاجه – ص 11 - 13 ) 0
هذا ما تيسر بخصوص هذا الموضوع ، سائلاً المولى عز وجل أن يقينا شر أعين
الحاسدين والعائنين وشر الشياطين ، مع تمنياتي للجميع بالصحة والسلامة
والعافية :